بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثير أما بعد ..
قال الله تعالى‏:‏ ‏{ ‏ولا تقفُ ما ليس لك به علم‏ }( [1] )‏ ‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ‏}‏ ‏( [2] )‏وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم ‏:‏ ‏"‏ إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏
وتضح مما سبق تحريم الكذب وأن من يتصف بهذه الصفة فهو شخص مذموم لا يوثق به ، فإذا انتشرت مثل هذه الآفة في مجتمع ما فإنه يؤدي إلى انعدام الثقة بين الناس .
فالتزوير نوع من الكذب وهو إظهار الشيء على غير حقيقته ، ولهذا ذهب المشرع إلى تجريم تزوير المحررات بكافة أنواعها لحماية الثقة العامة في المجتمع وتحفظ للمحررات هيبتها كونها من أهم الأدلة القاطعة في الإثبات أمام القضاء ، ولقد نص عليها المشرع في باب الجرائم المضرة بالمصلحة العامة .
وسوف أتناول في هذا البحث المتواضع الذي أضعه بين أيدكم الكريمة الضرر كعنصر من عناصر جريمة التزوير في المحررات الرسمية والعرفية يدخل في الركن المادي و علة التجريم في جـرائم التزوير ( المصلحة المحمية من التزوير ) والمعيار الضابط للضرر.
أولا : مفهوم المحررات.
أن جريمة التزوير لا تقوم إلا إذا انصب الكذب في محرر مكتوب ، ولهذا لا يتصور قيام جريمة التزوير في غير مكتوب، وهذا شرط مستفاد من سائر النصوص القانونية ، أما إذا وقع تغير الحقيقة على محل آخر أو بوسيلة أخرى فقد يكون جريمة نصب أو شهادة زور أو غش في المعاملات ولكنه لا يكون تزويرا على أي حال ومن ثم فان موطن الحماية التي يقررها القانون بالعقاب على التزوير هو المحرر ذلك أن فحواه هو الحقيقة التي يريد حمايتها وهو الموضوع الذي ينصب عليه فعل تغير الحقيقة بإحدى الطرق التي رسمها القانون ، وعلى الرغم من ذلك لم ترد القوانين تعريف للمحرر تاركا تعريفه إلى الفقه والقضاء .( [3] )  
ذهب جانب من الفقه إلى تعريف المحرر " كل مكتوب يفصح عن شخص من صدر عنه يتضمن ذكرا لواقعة أو تعبيرا عن إرادة من شأنه إنشاء مركز قانوني أو تعديله أو إنهاؤه أو إثباته ، سواء أعد المحرر لذلك أساسا أو ترتب عليه هذا الأثر بقوة القانون "( [4] )
ويذهب جانب من الفقه إلى تعريف المحرر " كل مكتوب يفصح عن مصدره ويتضمن وقائع أو بيانات تصلح لأن يحتج بها إما لتقرير حق وإما لإثباته "( [5] )
ويعرفه آخرين " كل صك أو مخطوط تثبت به الوقائع أو البيانات ويشكل مستندا "( [6] )
ويعرفه أخر بأن " مجموعه من العلامات والرموز تعبر اصطلاحا عن مجموعه مترابطة من الأفكار والمعاني الصادرة عن شخص أو أشخاص معينين ، فجوهر المحرر أنه وسيله تعبير عن فكرة له دور اجتماعي باعتباره أداة للتفاهم وتبادل الأفكار "( [7] )
ويذهب جانب من الفقه إلى تعريف المحرر " كل مسطور يتضمن كلمات أو علامات اصطلاحيه متفق عليها ينتقل بها الفكر من شخص لآخر لدى النظر إليها "( [8] )
ولقد عرفت محكمة النقض المصرية المحرر " كل مسطور ينتقل به فكره أو معنى معين أو محدد من شخص إلى آخــر عن مطالعته أو النظر إليه أيا كانت مادته أو نوعه أو اللغة أو العلامات التي كتب بها .( [9])
ويــعرف جانب من الفقه المحرر " كل كتابة تصلح لأن ينتقل بها الفكر من شخص إلى آخر " ( [10] )
وبالنظر إلى التعريفات السابقة نجد أنه يلتزم في المحرر أن يكون سندا لابد من توافر عدة شروط لكي يصلح أن يكون محلا لجريمة التزوير في المحررات وهذه الشروط هي أن يكون مكتوبا، وأن يتضمن مضمون ، أن يكون له حجية .( [11] ) وسوف نتناولها تفصيلا .
ثانيا : شكل المحرر .
يلزم لكي نكون بصدد محرر يصلح محلا لجريمة التزوير أن يتخذ شكل الكتابة ويقصد بذلك " العبارات الخطية أو الرموز أو العلامات التي تصلح لسرد واقعة أو التعبير عن إرادة ، أي التي تصلح لنقل المعنى من شخص لآخر. فلا تعد كتابة ولا تصلح محلا لجريمة التزوير عدادات ساعة الكهرباء أو المياه أو الغاز ولا قطع النقود المعدنية ولا ماركات التي يتخذها بعض أصحاب المهن ، و الأختام المنسوبة لفرد أو لجهة معينه ، ولا الاسطوانات أو أشــرطة التسجيل ولا الرسومــات أو لوحات الفن عموما .( [12] )
وإذا استوفى المحرر شرط الكتابة فلا عبرة بنوع الكتابة المستخدمة فقد تكون اللغة الوطنية أو اللغة الأجنبية ، وقد تكون لغة حيه أو منقرضة ، ولا عبرة بالأدوات التي استخدمت في الكتابة ، فقد تكون حبرا أو قلم رصاص أو أي مادة أخرى صالحه للكتابة ، ولا يشترط أن تكون المادة عصية على المحو أو الزوال بمضي الزمن ، بل بكفي أن يكون لها قدر من الثبات النسبي بحيث لا تتلاشى من تلقاء نفسها عقب استعمالها ، ويستوي أن تكون الكتابة  باليد أو بالآلة الكاتبة ، أو بالمطبعة .( [13] )
ثالثا : مضمون المحرر .
والمراد بمضمون المحرر أن تسرد واقعة تعبر عن إرادة أو بعبارة أخرى أن يكون بين العبارات ترابط فكري يؤدي معنى معين معقولا هو الإخبار بواقعة معينه أو التعبير عن إرادة أو رغبة ، ولا يلزم أن يكون المحرر الذي وقع الكذب فيه ، من المحررات التي مع افتراض صحتها ، يراعى فيها منذ أول لحظة لإنشائها أن تكون مستندا لأمر معين كالإقرار كتابة دين مثلا ، فقد يكون المحرر من تلك المحررات التي تكسب هذه الصفة تبعا لظروف لا حقه وقت تحريرها ولم يكن لها حساب وقت هذا التحرير كالمراسلات البريدية المتبادلة بين شخصين في ظروف عادية ، فإذا اصطنعت امرأة رسالة غرامية ونسبتها زورا لشخص لكي تستطيع من خلالها إثبات نسب أو الحصول على تعويض ، تقوم جريمة التزوير ، على الرغم أن وقت تحرير هذا الرسالة لم تكن حررت لكي تكون مستندا . ويقرر الفقيه جاروا ليس كل محرر مستندا ما دام لم يعد للإثبات، ويجب أن يكون المحرر معروف مصدره.( [14] )
رابعا :  حجية المحرر :
يقصد بحجية المحرر قوته في الإثبات ، فالثقة العامة في المحررات تتوقف على قوتها في الإثبات يستوي في ذلك أن يتضمن المحرر الإخبار أو الشاهدة أو حصول وقائع معينه كالمحاضرات أو الجلسات ، أو أن يتضمن التعبير عن أرادة صاحب الشأن كالعقود والإقرارات الفردية . ( [15] )، بل يجب أن تكون الواقعة المثبتة بالمحررات ذات أثر قانوني ، واشتراط هذا الأثر القانوني تحتمه مصلحة المعتدى عليها بالتزوير وهي الثقة العامة.
خامسا : المحررات الرسمية  .
ذهبت أغلب التشريعات الجنائية إلى عدم تعريف المحررات الرسمية، بل اكتفوا بذكر أمثلة لها كما هو الحال في القانون المصري، غير أن أغلب التشريعات العربية نصت على تعريف المحررات الرسمية ولم تترك مجال للقضاء في الاجتهاد.
فلقد عرف المشرع الإماراتي المحرر الرسمي في المادة 218 من قانون العقوبات الاتحادي التي نصت على " المحرر الرسمي هو الذي يختص موظف عام بمقتضى وظيفته بتحريره أو تدخل في تحريره على أية صورة أو أعطاه الصفة الرسمية "
ويتضح مما سبق أنه يشترط لكي يكون المحرر رسميا لا بد من أن يتم تحرير المحرر من قبل موظفين العاملين لدى الحكومة أو الدولة ، أو تدخلوا في تحريره أو أعطوا المحرر صفة الرسمية حسب اللوائح والقوانين التي تنص على ذلك ، فالموظف العام هو " كل شخص عهد إليه على وجه قانوني بأداء عمل بصورة منتظمة وطرده في مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام " أو " كل شخص معين في وظيفة دائمة أو مؤقتة في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو السلطات العامة مركزية كانت أم محلية ويستوي أن يكون ذلك بمقابل أم بدون مقابل "( [16] )
ولقد نصت المادة ( 5 ) من قانون العقوبات الاتحادي على الأشخاص أو الموظفين الذين لهم صفة الموظف العام .

سادسا : المحررات العرفية .
لقد نصت المادة 218 من قانون العقوبات الاتحادي في الفقرة الثانية على " أما ما عدا ذلك فهو محرر غير رسمي "
أما المشرع المصري في المادة 215 عقوبات فقد عبر عن المـحررات " محررات أحد الناس " ( [17] ) ويتضح مما سبق أن المحرر العرفي هو كل محرر لم يسبغ عليه القانون الصفة الرسمية ، وبعبارة أخرى محرر يصدر من احد الأفراد أو الهيئات الخاصة أو محررات الشركات المساهمة ، والجمعيات التعاونية والنقابات  ومحررات البنوك والمصارف ، وقد يولد المحرر عرفي وبعد ذلك تنسحب عليه الصفة الرسمية إذا ما تدخل موظف عام مختص تدخلا من شأنه أن ينسحب أثره على البيانات التي يحررها صاحب الشأن ، كما إذا اعتمد الموظف العام هذه البيانات فتنعطف حينئذ الصفة الرسمية على المحررات غير الرسمية ، إذ هي حررت بمعرفة ذوي الشأن .([18] )
وتنقسم المحررات العرفية إلا قسمين :
أولا : المحررات العرفية التي أعدت مقدما للإثبات ، فهي أدلة مهيأة وتكون موقعة من ذوي الشأن ، ومثلها العقود التي يحررها الأفراد .( [19] )
ثانيا: المحررات العرفية التي لم تعد مقدما للإثبات ، فهي أدلة عارضه والغالب ألا تكون موقعة مثال الأوراق والدفاتر المنزلية الخاصة.( [20] )
سابعا : ماهية التزوير.
أولا: التزوير في اللغة
 " هو إصلاح الشيء وتقويمه ، ويقال زور الكلام أي زخرفـــه  وموهـ ... وزور الكلام في نفسه أي حضره وهيأة أو الكذب و شهادة التي حكم بأنها زور ، وعليه قال عليه زورا كذا وكذا ، أي نسب إليه شيئا كذبا ، ويقال زور إمضاءه أو توقيعه أي قلده . ( [21] )
ثانيا: التزوير اصطلاحا:
إن أغلب التشريعات الجزائية لم تضع تعريفا للتزوير تاركة تعريفه إلى الفقه والقضاء وهو المسلك الذي ذهب إليه المشرع الفرنسي والمصري ، حيث انتقد الفقه هذا المسلك في عدم إيراد تعريفا للتزوير والاكتفاء ببيان طرق التزوير التي ترتكب بها التزوير المعاقب عليه ، ذلك أن بينان طرق التزوير لا يغني عن تحديد العناصر اللازمة لتوافر عناصر التزوير المعاقب عليه ، فضلا عن أن بعض طرق التزوير التي ذكرها المشرع تتسم بالسعة بحيث تحول دون دخول غير التزوير فيها .( [22] )
غير أن المشرع الإماراتي وبعض التشريعات العربية كالقانون الكويتي والقطري والسوري نص في قانون العقوبات على تعريف التزوير .
فقد عرف المشرع الإماراتي التزوير في المادة 216 الفقرة الأولى بأن " تزوير المحرر هو تغيير الحقيقة فيه بإحدى الطرق المبينة فيما بعد تغييرًا من شأنه إحداث ضرر وبنية استعماله كمحرر صحيح "
وفي القضاء عرفت المحكمة الاتحادية العليا في دولة الإمارات التزوير بأنه " تغير في الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغيرا من شــه إحداث ضرر مقترن بنية استعمال المحرر المزور فيما أعد له "( [23] )
ثامنا  : أركان جريمة التزوير .
1.                 الركن المادي ويتمثل في :
¨       تغير الحقيقة وهي النتيجة النهائية في الركن المادي لجريمة التزوير فأساس التزوير وجوهره هو تغير الحقيقة ، ويتم تغير الحقيقة معاصرا لوقت مقارفة الجاني إحدى طرق التزوير المقررة قانونا ، وإذ فلابد من الكذب المكتوب حتى تعتبر الواقعة تزويرا ، فلا يتوافر تغير الحقيقة بإمساك يد شخص لا يعرف الكتابة وتحريكها برضاه بما يرتب عليه إثبات أمر ما ذلك لأن ما فعله الشخص لا يعدوا أن يكون تعبيرا عن الإرادة الحقيقة لمن نسب إليه الكتابة ، كذلك التوقيع بإمضاء الغير على المحرر بناء على تفويض في ذلك أي تقليد إمضاء شخص آخر على محرر بإذن من صاحب الإمضاء ورضائه والحقيقة ، التي يحميها القانون هي الحقيقة الظاهرة .( [24] )
¨   أن يكون تغير الحقيقة حاصلا في كتابة أي في محرر موجود من الأصل أو بإنشاء محرر بقصد تغير الحقيقة ، إما تغير الحقيقة الذي يحصل بقول أو فعل وبغير الكتابة فلا يدخل في حكم التزوير ، ويستوي أن يكون محرر عرفي أو رسمي ، فالمحرر محل جرمية التزوير كما بينا سلفا هو المحرر الذي يتمتع بقوة الإثبات ويترتب عليه القانون أثرا ، فإذا لم يكن التغير قد جرى في محرر فإن جرمية التزوير تكون منتفية لانعدام المحل .( [25] )
¨   طريق التزوير وقد حدد المشرع الإماراتي وكذلك المشرع المصري طرق التزوير على سبيل الحصر لا المثال سواء كان تزوير مادي كالإضافة أو الحذف ، أو تزوير معنوي انتحال أو استبدال الشخصية في محرر اعد لإثباتها.
¨   لا يكفي لوجود التزوير أن يقع تغير للحقيقة في محرر ، بطريقة مما ينص عليه القانون ، وإنما يجب أن ينشأ عن هذا التغير حدوث الضرر أو احتماله ، فقد ثار خلاف بين الفقه حو مكان الضرر بين عناصر الجريمة ، فذهب البعض إلى أنه ركن مستقل فيها  ، وذهب البعض الآخر إلى أنه لايعدو أن يكون من عناصر الركن المادي وليس ركنا قائما بذاته مستقلا عنه.
تاسعا : الركن المعنوي .
القصد الجنائي في التزوير هو " تعمد تغير الحقيقة في محرر تغيرا من شأنه أن يسبب ضررا ، وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة "
ويتضح مما سبق أنه لابد من توافر القصد الجنائي العام والمتمثل في علم المتهم أنه يقوم بتغير الحقيقة ، وأن فعله ينصب على محرر ، وأنه يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حددها القانون ، وأنه يترتب عليه ضرر حال أو احتمالي . وأما القصد الجنائي الخاص والمتمثل في استعمال المحرر المزور فيما زور من اجله "[26]
عاشرا : طبيعة جريمة التزوير.
يقم الفقه تقابلا بين نوعين من الجرائم وهي جرائم الضرر حيث يتصور وقوع عدوان على الحق المراد حمايته ، وإما جرائم الخطر يتصور وقوعها متى هدد الحق المراد حمايته ، وبذلك تكون جريمة التزوير في محرر رسمي من جرائم الخطر لأن المشرع لا يشترط وقوع ضرر بل يفترض وجوده متى تم التزوير ، في حين أن التزوير في المحررات العرفية فإن المشرع اشترط وجود ضرر لحق بمصلحة شخص ما.( [27] )
وكذلك فإن الشروع متصور في التزوير بالمحررات كما لو ضبط الجاني وهو يمحو عبارة عقد رسمي بأداة للمحو قبل أن يكون قد محاها فعلا ، ويعتبر جريمة التـــزوير جريمة وقتية .( [28] )
الحادي عشر : الضرر .
الإخلال بحق أو بمصلحة يحميها القانون ، والضرر المتطلب لقيام جريمة التزوير لا يشترط فيه القانون درجة معينة من الجسامة ، فالضرر اليسير يكفي ، شأنه شأن الضرر الجسيم ، لتحقق التزوير ، ولا عبرة بشخص من لحق الضرر من التزوير ، ومن ثم لا يعتد القانون بشخص من لحقه الضرر لإسباغ حمايته من التزوير.
جريمة أخرى قائمة بذاتها ، فمؤدى ذلك أنه يكفي في تحقق التزوير بالضرر المحتمل ونلاحظ أن الضرر لا يعتبر حالا إلا إذا أنتج المحرر أثره الضار بالمجني عليه ، ولكن قد يكون الضرر محتملا متى كان تحققه في المستقبل أمرا منتظرا وفقا للمجرى العادي للأمور.( [29] )
والعبرة في تقدير احتمال الضرر إنما تكون بالوقت الذي وقع فيه تغير الحقيقة في المـــحرر.( [30] )
و الضرر أنواع تختلف باختلاف ضابط التقسيم ، فهو ينقسم من حيث طبيعته إلى مادي ومعنوي ، ومن حيث شخص المضرور إلى خاص وعام ، وهو بكل أنواعه ودرجاته سواء في القانون لأن العبرة بجوهر الضرر لا بصورته ، لهذا يقع التزوير سواء كان تغير الحقيقة منذرا بضرر مادي أو أدبي أو خاص أو عام ، جسيم أو غير جسيم .
الثاني عشر : معيار الضرر .
لم يضع المشرع الإماراتي والمصري أي معيار أو ضابط للضر ، بل ترك البحث في توافره أو عدم توافره لمطلق تقدير قاضي الموضوع ، وكل ما عليه لكي يمكن محكمة النقض من رقابتها على بيان الواقعة ، أن يوضح في حكمه توافر الضرر ، وإن كان لا يلزم أن يذكر صراحة متى كان سياق الحكم دالا عليه .( [31] )
إلا أن القضاء المصري قد انقسم إلا قسمين حول معيار الضابط للضرر ، ففي بداية الأمر تأثر القضاء المصري بنظرية ( جارو ) وغالى في تطبيقها حتى أنه وصل إلى نتائج لا تتفق وقصد واضع النظرية نفسه ، فقد ذهبت بعض الأحكام إلى أن تغير الحقيقة لا يكون معاقب عليه بوصفه تزويرا إلا إذا ورد على بيان من البيانات التي أعد المحرر كي يكون حجة عليها ،إلا أن المحكمة قد عدلت عن ذلك وعاقبت على تغير الحقيقة باعتباره تزويرا ليس فقط في حالة ما إذا انصب التغير على بيان أعد المحرر من حيث الإثبات ليكون حجة عليه ، وإنما أيضا إذا انصب تغير الحقيقة على بيان جوهري ، والبيان الجوهري هو الذي من شأنه أن يولد عقيدة مغايرة للحقيقة لدى من يطلع عليه وبصرف النظر عن مبلغ قوته في الإثبات فمحكمة النقض المصرية فرقت بين المحررات العرفية والمحررات الرسمية ، فقد أكدت أنه بالنسبة للمحررات العرفية لا يعد تغير الحقيقة فيها تزويرا إلا إذا كان المحرر صالحا لأن يتخذ أساسا لحق من الحقوق بالنظر إلى قوة الإثبات التي للبيانات التي يتضمنها المحرر تتوقف على إرادة المتعاملين به  ، أما المحررات الرسمية فقد وضعت محكمة النقض المصرية معيار يستهدي به القاضي الموضوع في تبين متى يكون المحرر قوة إقناع بالنسبة لبيان معين ، فيكون من شأن تغير الحقيقة الذي يقع فيه أن يسبب للغير ضررا ويقوم به التزوير .( [32] )
الثالث عشر : وقت تقدير الضرر
لما كان قدرة الفعل على الإضرار شرطا فيه فالمعمول عليه في تقدير هو وقـت ارتكاب الفعل ، فإذا كان الفعل وقت ارتكابه غير قادر على توليد الضرر فانه لا يعد تزويرا مؤثما في القانون ولو طرأت بعد ذلك ظروف أدت إلى حدوث الضرر ، لأن الضرر عندئذ لا يكون ناتجا عن فعل التزوير أساسا بل عن تلك الظروف.

الخلاصة .
بعد البيان السالف توصلت إلى عددت نتائج عملية لا بد للقاضي عندما تعرض عليه جرائم التزوير في المحررات أن يضع في عين الاعتبار الاعتبارات التالية .
أولا : أن جريمة التزوير كغيرها من الجرائم التي تقوم بتوافر الضرر سواء كان ضرر مادي يحلق بالمجني عليه كالتزوير في المحررات العرفية ، أو ضرر مفترض أو قانوني في المحررات الرسمية .
ثانيا : وكذلك إن إجماع الفقهاء على أن الضرر ليس ركن مستقل بذاته في جريمة التزوير في المحررات بل عنصر يدخل في الركن المادي للجريمة .
ثالثا : أن يكون فعل تغير الحقيقة في محرر عرفي أو رسمي محدث للضر أو احتمال حدوث الضرر ، قادر على إحداثه ، أما إذا كان فعل تغير الحقيقة غير قادر على إحداث الضرر فلا يكون هناك تزوير .



[1] : سورة  الإسراء‏ آية :‏ 36‏
[2] سورة ق آية : 18
[3] : محمد عبد التواب ،  الوسيط في شرح جرائم التزوير والتزيف وتقليد الاختام ، ، لسنة 1988 ، منشاة المعارف ، الاسكندرية ، ص 35 .
[4]  : عمر سعيد رمضان ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص ، لسنة 1986  ، دار النهضه العربية ، القاهرة ، ص 154.
[5] د : علي عبد القادر القهوجي ، قانون العقوبات القسم الخاص جرائم الاعتداء على المصلحه العامه وعلى الانسان والمال ،  لسمة 2003 ، منشورات الحلبي ، بيروت ، ص 99 .
[6] : د: علي عبد القادر القهوجي ، المرجع السابق، ص 99  .
[7] " د محمود نجيب حـــــــسني ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص ، لسنة 1986 ، دار النهضه العربية ، القاهرة، ص 246  .
[8] : محمد علي سكيكر ، جرائم التزيف والتزوير وتطبيقلتها العمليه ، لسنة 2008 ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندريه ، ص 71.
[9] : محمد محرم محمد علي ، الموسوعه الجنائية الشاملة لدولة الامارات العربية المتحدة فقها وقضاء قانون العقوبات الاتحادي ، لسنة 2003 ، ج 1 ، الفتج للطباعه والنشر ، الإسكندرية ص510 .
[10] : د : أحمد صبحي العطار ،  جرائم الاعتداء على المصلح العامة دراسة في القسم الخاص من قانون العقوبات المصري ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،ص 388. 
[11] : أحمد محمود خليل ، جرائم التزوير في المحررات ، لسنة 2008 ، المكتب الجامعي الحديث ، ص92.
[12] : د : علي عبد القادر قهوجي، قانون العقوبات القسم الخاص  ، مرجع سابق ، ص 100.
[13] : محمد عبد التواب ،  الوسيط في شرح جرائم التزوير والتزيف وتقليد الاختام ، مرجع سابق، ص 36  .
[14] : أحمد محمود خليل ، جرائم التوير المحررات ، مرجع سابق ، ص 94.
[15]  : محمد محرم محمد علي ، الموسوعة الجنائية الشاملة لدولة الإمارات العربية المتحدة فقها وقضاء قانون العقوبات الاتحادي ، مرجع سابق، ص511 .
[16] : د: علي عبد القادر القهوجي ، قانون العقوبات القسم الخاص ، مرجع سايق ، ص162.
[17] : محمد علي سكيكر ، جرائم التزيف والتزوير وتطبيقاتها العملية ، مرجع سابق ، ص102.
[18]  : محمد محرم محمد ، الموسوعه الجنائية الشاملة لدولة الامارات العربية المتحدة فقها وقضاء قانون العقوبات الاتحادي ، مرجع سابق، ص 537  .
[19] : عبد الله بن جلوى عبد الله ، الضرر في جريمة تزوير المحررات ، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، ص 63.
[20] : عبد الله بن جلوى عبد الله ، المرجع السابق ، ص64
[21] المعجم الوسيط ، الجزء الأول والثاني ، ص406
[22] : د : إبراهيم حامد الطنطاوي ، المسؤولية الجنائية عن جرائم التزوير في المحررات فقها وقضاء ، مرجع سابق ، ص 9.
[23] :المحكمة الاتحادية العليا رقم 57 / 18 تاريخ 25 / 02 / 1998 مجموعة الأحكام الصادرة من الدائرة الجزائية والشرعية سنة 1988 ص28 .
[24] محمد محرم محمد ، الموسوعة الجنائية الشاملة لدولة الإمارات العربية المتحدة فقها وقضاء قانون العقوبات الاتحادي ،مرجع سابق ، ص505.
[25] : محمد محرم محمد ، الموسوعة الجنائية الشاملة لدولة الإمارات العربية المتحدة فقها وقضاء قانون العقوبات الاتحادي ، ص509 مرجع سابق .
[26] د: محمود نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات القسم الخاص، لسنة 1986  ، دار النهضة العربية ، القاهرة  ، ص 271.
[27] : د: أحمد فتحي سرور ، قانون العقوبات القسم الخاص ، ط 2 ، لسنة 1967 ، ج 1 ، دار النهضة العربية، ص 289.
[28] : د: رمسيس بهنام ، قانون العقوبات جرائم القسم الخاص ، ط 1 ، لسنة 1999 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية، ص464 .
[29] :د: محمد صبحي نجم ، قانون العقوبات القسم الخاص ، ط 1 ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، ص 106.
[30]: د: عمر السعيد رمضان  ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص ، لسنة 1986، دار النهضة العربية ، ص 164
[31] :د: محمود محود مصطفى ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص ، مرجع سابق ، ص146.
[32]: د: محمد زكي لبوعامر ، قانون العقوبات القسم الخاص ، مرجع سابق ، ص 338.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مرافعة النيابة العامة

الإجراءات الجزائية الذكية للنيابة العامة الاتحادية

المراقبة الالكترونية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية وقرار مجلس الوزراء رقم 53 لسنة 2019